كغيرهم من سكان العالم، يعيش اللبنانيون تحت وطأة انتشار فيروس كورونا المستجد الذي تتوسّع رقعة تمدده بين الدول بشكل سريع كما تشير الأرقام التي تُفصح عنها الحكومات تباعاً.
ولعل ما يؤرق اللبنانيين أكثر من غيرهم حتى لو أنه لم يُسجل أي حالة جديدة بالفيروس في البلاد باستثناء اثنتين تم تأكيدهما، أن الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة لا ترقى إلى مستوى خطورة كورونا الذي أربك حكومات العالم وجعلها تتحرك على إيقاعه.
وعلى قاعدة "لا داعي للهلع"، بحسب وزير الصحة، اتخذت الحكومة سلسلة تدابير لمواجهة كورونا، منها ضبط حركة الطيران والسفر مع الدول التي تشهد تفشي الفيروس، واقتصار الرحلات منها وإليها حسب الحاجة الملحة، إضافة إلى توقيف الرحلات الدينية، من دون أن تحسم قرار وقف الرحلات نهائياً كما يطالب اللبنانيون منذ أيام، وهو ما يرفع منسوب الخوف لديهم من انتشار كورونا.
إلى ذلك اعتبر اختصاصي في أمراض الكبد والبنكرياس بمستشفى فؤاد خوري الخاص في الحمرا، الجراح محمد حجيج، في تصريح لـ"العربية.نت"، أن "خوف اللبنانيين مشروع ومُبرر، لأن الحكومة تأخرت في اتخاذ التدابير الوقائية منذ تسجيل أول حالة، وإذا استمرت على هذا المنوال فإن الفيروس سينتشر بين اللبنانيين بشكل كبير بعد شهر".
كما قال حجيج: "للأسف انتظرت الحكومة وصول كورونا لتبدأ بالتحرك، فهي لم تخصص مسبقاً مستشفيات خاصة لاستقبال الحالات المُشتبه بإصابتها بالفيروس. كما تأخرت في ضبط حركة الطيران مع الدول الموبوءة. فمن أتى من بلد يشهد انتشار كورونا بشكل سريع من غير المُستبعد أن يكون مُصاباً، وهذا لا يظهر إلا بعد 24 يوماً".
وبحسب الإحصاءات التي ترد من الصين، منبع انتشار كورونا، أوضح أن "المُصاب بالفيروس ينقل العدوى بين 4 و6 أشخاص. وبما أنه حطت في لبنان بالأسابيع الأخيرة طائرات عدة آتية من إيران تحديداً وإيطاليا وكوريا الجنوبية، فمعناه أن ما لا يقل عن ألف شخص قد يكون مُشتبهاً بإصابتهم بكورونا يتنقلون بحرية بين المناطق اللبنانية، خصوصاً أنهم لم يخضعوا لفحص PCR للكشف عن الفيروس".
ومنذ أن أعلن لبنان رسمياً عن تسجيل أول إصابة بكورونا، أخضعت السلطات الطائرات الآتية من إيران وإيطاليا وكوريا الجنوبية لإجراءات احترازية، منها إخضاع الركاب لفحص الحرارة.
غير أن هذه الإجراءات غير كافية، بحسب حجيج، لأن "عوارض كورونا لا تظهر على المُصاب إلا بعد أسبوعين، ومن هنا فإن الحرارة ليست مقياساً للإصابة بالفيروس".
كما أضاف حجيج أن "نحو 43% من الحالات المشتبه بإصابتهم بكورونا لا يعانون من ارتفاع درجات الحرارة حتى لو ظهرت عليهم عوارض كالسعال مثلاً، وقد لا يظهر الفيروس إلا بعد 24 يوماً من انتشاره في جسم المريض، من هنا تكمن صعوبة إيجاد دواء مضاد لفيروس خبيث كهذا".
وفي حين تخضع أكثر من 5 حالات للحجر الصحي في مستشفى رفيق الحريري الجامعي ببيروت نتيجة الاشتباه بإصابتها بالفيروس، لفت إلى أن "الحجر لمدة 14 يوماً غير كافٍ، ومدة الحجر تُحدد تبعاً لتطور الحالة. ففي الصين مثلاً، أخضعوا مدينة بكاملها للحجر الصحي لمدة شهر من أجل منع انتشار الفيروس".
وفي السياق، كشف حجيج عن "أن أكثر من 200 حالة مُشتبه بإصابتها بكورونا لم يتم الكشف عنها حتى الآن، ويتوقع أن تسجل حالات إضافية في الأيام المقبلة، لأن حركة الطيران لم تتوقف بين لبنان والدول الموبوءة في وقت كان الفيروس يوسع رقعة انتشاره عالمياً".
إلى ذلك استهجن الطبيب، الذي يُتابع تطور كورونا وخريطة انتشاره منذ الإعلان عنه في الصين، "استخفاف اللبنانيين بالوباء القاتل، لاسيما أنهم يعتبرونه شبيهاً بفيروس H1N1"، ناصحاً كل من يعاني من الزكام أن يُجري فحص الدم الخاص بكورونا، لأن الفيروس وللأسف ينتشر بكثرة بين اللبنانيين. كما وجّه إدارات المدارس والجامعات اتخاذ قرار بإغلاقها مؤقتاً إلى حين التأكد من عدم انتشار الفيروس، إضافة إلى تجنب الأماكن المكتظة.
ونصح حجيج "وقف الرحلات من لبنان إلى كل المدن الإيرانية وبشكل نهائي، لأنها تشهد انتشاراً واسعاً وكبيراً للفيروس منذ أكثر من شهر، والسلطات الإيرانية لم تكشف عن ذلك إلا في الأيام الأخيرة، بدليل الإعلان تدريجياً عن تسجيل حالات إصابة بكورونا".
من جهتها، شرحت ممثلة منظمة الصحة العالمية في لبنان، الدكتورة إيمان الشنقيطي لـ"العربية.نت" أن "الحكومة اللبنانية والمسؤولين في مطار رفيق الحريري الدولي يتخذون الإجراءات اللازمة لرصد أي حالة مُصابة بكورونا".
كما أشارت الشنقيطي إلى أن "كل الطائرات الآتية من إيران وإيطاليا وكوريا الجنوبية هي في دائرة الرصد والمتابعة"، موضحة أن إجراءات إغلاق الحدود مع أي دولة تشهد انتشاراً للفيروس أو وقف حركة الطيران معها لا تمنع وصول الفيروس وإنما تأخره. ونحن كمنظمة صحة عالمية لا نتدخل في قرار كهذا تعود صلاحية اتخاذه للحكومة فقط".
وأكدت: "نحن كمنظمة صحة عالمية شركاء للحكومة اللبنانية لمواجهة هذا الفيروس، ولن نتردد في تقديم أي مساعدة في هذا المجال".
أما عن عوارض كورونا، فتبدأ بحسب الاختصاصي في الأمراض الجرثومية، الدكتور جاك مخباط، بالجهاز التنفسي أي بسعال جاف مع ارتفاع بالحرارة وألم بالعضلات، وفي بعض الحالات المتطورة التي تستدعي نقلها إلى المستشفى، يُعاني المريض من إسهال وضيق تنفس وانخفاض بالأكسيجين في الدم.
وطمأن مخباط عبر "العربية.نت" إلى أن "هذا الفيروس ليس مُرعباً كما يروّج إلا أنه سريع الانتشار، وهو ما أثار ذعر الناس، علماً أن معدل الوفيات بكورونا هي بين 2 و3%، أي من بين 100 مصاب بالفيروس يموت شخصان أو ثلاثة، خصوصاً إذا كانوا من كبار السن ويعانون من ضعف رئوي ونقص في المناعة"، مشيراً إلى أن عوارضه تبدأ بالظهور بعد يومين وتبقى كحد أقصى أسبوعين.
إلى ذلك أوضح أن الإجراءات التي تتخذها الدولة اللبنانية مُشابهة لإجراءات الدول كافة، ناصحاً اللبنانيين الالتزام بتعليمات وزارة الصحة حرفياً، خصوصاً من يُشتبه بإصابتهم بالفيروس.
ولفت مخباط إلى أن "المُصاب بكورونا وبعد تلقيه العلاج اللازم يمكنه العودة إلى ممارسة حياته بشكل طبيعي وكأنه كان مريضاً بالزكام".
أما بالنسبة لكيفية الوقاية من الفيروس، نصح بالابتعاد عن كل من يسعل وارتداء كمامة إذا تواجد معه في نفس المكان، وتعقيم اليدين بشكل مستمر لمنع انتقال العدوى، إضافة إلى الإكثار من شرب السوائل.
كما توقع مخباط أن "تتم السيطرة على فيروس كورونا قريباً بدليل بدء انخفاض عدد المصابين به في الصين".