خلال القرون الماضية، دوّنت العديد من النساء أسماءهن بأحرف من ذهب بكتب التاريخ بفضل أعمال خالدة قدمنها للبشرية بمجالات عدة تراوحت أساساً بين الطب والأدب والفيزياء والكيمياء والرياضيات. فإضافة لأسماء لامعة كماري كوري (Marie Curie) وماريا غوبرت ماير (Maria Goeppert Mayer) ودوروثي هودجكن (Dorothy Hodgkin) اللوات نلن جوائز نوبل بمجالات الفيزياء والكيمياء بالقرن الماضي والفرنسية جورج ساند (George Sand) التي أبدعت بمجال الأدب والبريطانيتين جاين أوستن (Jane Austen) وماري شيلي (Mary Shelley) اللتين أبدعتا بنفس المجال، يذكر التاريخ اسم جيمس باري (James Barry)، أو كما عرفت باسمها الحقيقي مارغريت آن بكلي (Margaret Ann Bulkley) عند ولادتها، التي تحدت العديد من العوائق الاجتماعية ونجحت في بلوغ أعلى المراتب بمجال الطب اعتمادا على حيلة غريبة.
ولدت مارغريت آن بكلي عام 1789 بإيرلندا خلال فترة حرمت أثناءها النساء من الالتحاق بالعديد من الاختصاصات الدراسية كالطب والهندسة والمدرسة العسكرية. وبادئ الأمر، اتجهت مارغريت آن بكلي للتخصص في مجال التعليم أملا في أن تصبح ذات يوم معلمة. لكن بسبب نقص خبرتها المهنية في هذا المجال، لم تتمكن الأخيرة من الحصول على فرصة عمل واضطرت للبحث عن حل ثان لتجاوز الأمر.
اعتمادا على دعم عدد من الشخصيات النافذة ذات الفكر الليبرالي وحيلة ذكية، غيّرت مارغريت آن بركلي اسمها لتحصل على اسم جيمس باري (James Barry) وتتقمص شخصية رجل فاتحة بذلك لنفسها أفقا جديدة في الحياة ببريطانيا خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر.
إلى ذلك، التحق جيمس باري بجامعة أدنبرة (Edinburgh) وتخصص في مجال الطب قبل أن ينتقل إلى لندن حيث واصل دراسته بمجال التقنيات الجراحية.
سنة 1813، التحق جيمس باري بالجيش البريطاني وانتقل بين العديد من المستعمرات البريطانية بكل من آسيا وإفريقيا والقارة الأميركية. وأثناء فترة تواجده بكيب تاون (Cape Town) نال الأخير منصب المفتش الطبي للمستعمرة.
من ناحية ثانية، ساهم جيمس باري في تحسين الخدمات الطبية المقدمة للجنود البريطانيين المصابين ليلعب بذلك دورا هاما في انقاذ حياة العديد منهم كما شارك في تزويد كيب تاون بشبكة مياه صالحة للشرب وتحسين جودة حياة السكان الأصليين وقاد أول عملية ولادة قيصرية أجراها طبيب أوروبي بالقارة الإفريقية.
قبل خروجه للتقاعد، نال جيمس باري العديد من الترقيات كتكريم على مجهوداته الجبارة ليصبح مفتشا طبيا على جميع المستشفيات العسكرية وهو المنصب الذي عادل ثاني أهم منصب في اختصاص الطب بالجيش البريطاني.
على مدار أكثر من نصف قرن، أخفى جيمس باري حقيقة جنسه حيث تقمّص الأخير طول تلك الفترة شخصية رجل. مع وفاته يوم 25 تموز/يوليو 1865، فاجأ جيمس باري جميع الحاضرين. فعلى فراش الموت، ذهل الجميع عند الكشف عن جثته حيث اكتشف الحاضرون حينها أن جيمس باري ليس سوى امرأة تنكرت بزي رجل لتختص في مجال الطب وتتنقل بين المستعمرات البريطانية مقدمة العديد من الخدمات الإنسانية.
ومع التدقيق في عدد من الرسائل والوثائق، تبيّن للجميع أن الاسم الحقيقي لجيمس باري ليس سوى مارغريت آن بكلي التي اختصت سابقا في مجال التعليم وعجزت عن الالتحاق بمجال الطب بسبب جنسها.